الاثنين، 17 أكتوبر 2022

مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. نادية أعراب تتفقد قعر البحار والمحيطات

 

يعود أصل نادية أعراب إلى صفرو، لكن تفاصيل النشأة ترتبط بفضاء عيش مغاير بحكم استقرار أسرتها في مدينة أكادير؛ وقد وصلت إلى استكمال 17 سنة من العيش في النرويج حتى الآن.

ترتبط أعراب بمسيرة علمية تم وضع أسسها في جامعة بن زهر، وتلازم علوم البحار والمحيطات في أكثر من بلد من خلال الاشتغال في شركة “ديب أوشن” بفروعها المتعددة، بينما يغني هذا المسار انفتاح نادية على العلوم الاقتصادية ومبادرات المجتمع المدني.

تأسيس علمي مغربي

حين ترحل ذاكرة نادية أعراب في تفاصيل الماضي تستحضر مراحل مسارها الدراسي في “عاصمة سوس”، من ابتدائية الشهداء إلى ثانوية عبد الله بن ياسين، مرورا عبر المؤسسة الإعدادية فيصل بن عبد العزيز.

بعد الحصول على شهادة الباكالوريا في شعبة العلوم التجريبية، اختارت أعراب مواصلة مسارها الدراسي في مدينة أكادير، لذلك أقبلت على كلية العلوم بجامعة ابن زهر، متخصصة في علوم البحار والمحيطات، وحصلت على الإجازة بحلول سنة 1999.

حلم بديل

الهجرة لم تكن نتيجة تخطيط أساسي في حالة نادية أعراب، وتقول في هذا الإطار: “كانت لدي أحلام أخرى، إذ ابتغيت ولوج الطب العسكري وقتها، وعندما لم أتمكن من بلوغ هذا المراد جاءت الهجرة كبديل”.

ارتأت أعراب، في بداية الألفية الجارية، أن بإمكانها رفع التحدي العلمي إلى مستويات أعلى خارج المغرب، وأن هذه الخطوة كفيلة بجعلها تبرز قدرتها في الميدان العلمي الذي خبرت بعضا من تفاصيله في جامعة ابن زهر؛ ولذلك شدت الرحال صوب فرنسا.

حصلت نادية على دبلوم الدراسات العليا المعمقة بعد استكمال التكوين في مركز علوم المحيطات بجامعة مدينة مرسيليا، ثم أقبلت على سلك الدكتوراه في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي بجامعة بوردو؛ وناقشت أطروحتها سنة 2004.

بعيدا عن الفرانكفونية

تؤكد المنتمية إلى صفوف “مغاربة أسكندنافيا” أن التواجد في النرويج لم يكن محط تفكير مسبق، وأنها، عند استهلال رحلة الدراسة خارج المغرب كانت تعرف أن دراسات الأوساط البحرية وعلوم المحيطات كانت متقدمة في كل من فرنسا وكندا، وبالتالي حاولت التركيز على الفرص المتاحة بالبلدين معا.

وتضيف نادية: “أطروحة الدكتوراه الخاصة بي ارتبطت بمشروع يهم مختبرات للأبحاث العلمية تنتمي إلى 32 دولة أوروبية، وتفاصيلها استلزمت مشاركتي في ورشات عمل بالنرويج؛ لذلك تعرفت على هذه البلاد أكثر فأكثر”.

وترجع أعراب اختيارها الاستقرار في النرويج إلى توصلها بعرض مهني، وتفسر قائلة: “ربطت علاقات علمية مع نرويجيين، كما حصلت على جائزة لأبحاث الشباب في ‘لاروشيل’ بفرنسا، سنة 2004، وهذا ما جعلني أتوصل بعرض للعمل في النرويج .. وقررت قبوله”.

الحاجيات النرويجية

“الاستقرار في النرويج مغاير للتواجد على أراضي فرنسا. لم أكن أعرف اللغة النرويجية عند التفاعل مع المجتمع، بينما لغة الاشتغال كانت الإنجليزية على امتداد سنوات عديدة”، تقول نادية أعراب.

وتضيف الخبيرة في علوم البحار والمحيطات أن “الثقافة النرويجية تبقى بعيدة جدا عن نظيرتها المغربية، والمجتمع النرويجي لا يأخذ المبادرة، بل يطلب من الوافدين القيام بأولى خطوات التقرب منه”.

عملت أعراب، من أجل الاندماج في البيئة النرويجية، على التفاعل بشكل إيجابي مع المشتغلين بجانبها في المعهد البحثي الذي التحقت به، ناسجة صداقات حرصت على توسيعها، بتدرج، لمعرفة الناس خارج الإطار المهني، مراهنة على مجهود ممتد في الزمن للانتماء فعلا إلى النسيج الاجتماعي الملائم له ببلد الاستقرار.

بين المحروقات والتدبير

استوفت أعراب 9 سنوات من الاشتغال في المعهد الدولي للأبحاث العلمية بـ”أستفانغار”، بمرتبة عالمة مشرفة على الأبحاث، مركزة في العمل على آثار المحروقات في الأوساط البحرية؛ متعاطية مع مشاريع علمية ممولة من طرف الشركات البترولية الكبرى في العالم.

وفي المرحلة الموالية ارتأت نادية تغيير الوجهة المهنية لخوض تحديات إضافية، لذلك أقبلت على الاشتغال بشكل مباشر مع الشركات البترولية الراغبة في الاستفادة من مداركها؛ وشرعت في تقديم خدمات استشارية أيضا.

وبحلول سنة 2016، تحصلت الخبيرة المغربية على دبلوم إضافي في التسيير والتدبير، ما فتح أمامها أبواب الارتقاء المهني مجددا، لتصل إلى شركة “ديب أوشن” وتبقى ملتزمة معها، إلى الآن، في العمل على مشاريع تهم الاستدامة، وأبحاث تلازم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

الشركة والتعاون

“أحاول التنسيق مع المسؤولين عن التدبير للوصول إلى إستراتيجيات تلائم تحقيق أهداف ‘اتفاق باريس’ في أفق 2050، كما نحاول تطوير السفن التي نستخدمها للتخلي عن المحروقات بالاعتماد على الطاقة الكهربائية، ونبحث في مشاريع الاعتماد على الهيدروجين السائل والأمونيا كمصدرين للطاقة”، تكشف نادية أعراب بخصوص التزاماتها مع “ديب أوشن”.

وتضيف المتحدثة أن التركيز على كل ما يهم الانتقال الطاقي يبقى محددا لعموم أبحاثها العلمية، وتفسر: “الانتقال الطاقي لا يمكن أن يتحقق دون توفر المعادن الملائمة، والموارد المعدنية موجودة بوفرة في الفضاءات البحرية والأوساط المحيطية، بينما الكميات المتوفر على البر تبقى قليلة بالنظر إلى الحاجيات”.

بجانب هذا العمل في “ديب أوشن”، تلتزم أعراب بالتعاون مع معهد للأبحاث لتطوير مركبات غواصة تبلغ عمق 6 آلاف متر تحت سطح البحر، والهدف من تحريكها يتصل بدراسة التنوع البيولوجي واستكشاف الموارد، مع دراسة إمكانيات استخراج معادن من قعر المساحات المائية على كوكب الأرض.

مسايرة “اتفاق باريس”

تتوفر شركة “ديب أوشن” على مكاتب في هيوستن، بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي المكسيك والكونغو وفرنسا وإنجلترا، بينما الأعمال التي تقوم بها تستحضر مضامين اتفاق “كوب 21” في باريس، الذي يهم جميع الدول الملتزمة به وبينها المغرب.

وتؤكد نادية أعراب أن “تحدي خفض الانبعاثات الكربونية يرتبط بإبرام شراكات مع بلدان كثيرة لتحقيق المبتغى، ويستند ذلك إلى كون التدخلات التي تمليها التغيرات المناخية تهم العالم بأسره، وإلى أن تبعات الاحتباس الحراري تحتاج تكثيف الأداء الدولي لمكافحته، وهنا تحضر الشراكات من أجل التعاون ونقل المعارف”.

“أتابع من بعيد ما تقوم به المملكة المغربية في هذا الإطار، خاصة الإجراءات التي تهم تقوية الاعتماد على الطاقات المتجددة؛ في أوراش الطاقة الشمسية أو بمشاريع للطاقة الريحية؛ كما سمعت بوجود برنامج لاستخدام الهيدروجين في توليد الطاقة على مستوى الوطن الأم”، تزيد العالمة عينها.

مسيرة مستمرة

تتملك نادية أعراب إصرارا على الانخراط في مسيرة علمية تنبذ التوقف، مستندة في ذلك إلى رغبتها في مواصلة التعلم بميادين كثيرة، من جهة، ووجود آفاق أرحب للعطاء المهني، من جهة ثانية.

وترى الخبيرة في علوم البحار والمحيطات أن الرهانات الدولية على التكنولوجيات الحديثة تحتاج المواكبة بالبحث عن موارد معدنية جديدة لتلبية الطلب، ولأجل ذلك قررت الانتماء إلى طاقم سفينة للبحث العلمي، تنطلق شهر أكتوبر 2022، بغرض جمع معطيات عن المعادن المتواجدة بالمياه الإقليمية للنرويج؛ حيث سيتم الاشتغال بالتقنيات نفسها التي تتعاطى مع حاجيات قطاع المحروقات.

وتقول أعراب بهذا الخصوص: “هذه التجربة الجديدة على مستوى النرويج ترتبط برهانات أخرى؛ أبرزها ضرورة مراعاة الآثار الجانبية التي قد تنعكس بشكل سلبي على البيئة، وأجد نفسي سعيدة حين أشارك في هذا التحدي الذي يقتضي القيام بكل التدابير التي تحد من الخسائر الممكنة في هذا الإطار”.

التزامات جمعوية

بجانب العطاءات المهنية، تتواجد نادية أعراب في المجتمع المدني من خلال رئاسة المجلس الاستشاري المغربي للدول الاسكندينافية ودول الشمال؛ وهو إطار يعتني بتقريب المجتمع النرويجي من المغاربة عبر التعريف بالعادات والتقاليد في أنشطة يحضرها منتمون إلى الجانبين.

كما تتواجد أعراب، أيضا، على رأس تنظيم مرتبط بأهداف بيئية، يحمل اسم “كلين شورز”، ومن خلاله تستحضر تخصصها العلمي في إطلاق حملات تحسيس بخطر المواد البلاستيكية على الحياة البحرية وفي المحيطات.

“المجلس الاستشاري له دور في تعرف العديد من النرويجيين على الثقافة المغربية، وإبراز صورة مشرقة لها في هذا البلد، وقد نظم سنة 2018 رحلة إلى المغرب استفاد منها وفد من ناد للسباحة في أوسلو.. بينما ‘كلين شورز’ بصمت على أنشطة متنوعة، من بينها برنامج بتعاون مع سفارة النرويج في المغرب هم تنظيم شاطئ بالرباط”، تورد أعراب.

في الحركة بركة

تختصر نادية أعراب تجربتها في “اسكندنافيا” باعتبار النجاح في المجتمع النرويجي يحتاج، على الخصوص، كل ما يمكن أن يكون مرتبطا بالجدية الصريحة، من جهة، والإقبال على العمل بإخلاص، من جهة أخرى.

وترى المستقرة في النرويج أن المهاجرين الباحثين عن الارتباط بمسارات جيدة في هذا البلد، على المستويين الشخصي والمهني، ينبغي أن ينطلقوا من تحديد أهدافهم بكل وضوح، وبعدها لا يبقى أمامهم غير شق طريق الوصول بالمثابرة واغتنام الفرص المواتية لقدراتهم، والحرص على الطور كل يوم.

“النرويج تعمل على تشجيع أي شخص يريد الإقبال على الدراسة لتنمية مداركه المعرفية، بينما الفرص لا يستفيد منها إلا المواظبون على التحرك، حيث لا يمكن الركون إلى الانتظار من أجل النجاح”، تختم نادية أعراب.

المصدر: هسبريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق