الاثنين، 16 يناير 2017

المحيط العنيف الذي أبطأ تغيُّر المناخ

أَخَّرَتْ مياه المحيط الجنوبي (Antarctique) ظاهرة الاحتباس الحراري بامتصاصها قَدْرًا كبيرًا من الحرارة الزائدة والكربون الناتجين عن الأنشطة البشرية.. لكن هذا الوضع قد لا يستمر!




لم تكن جويلين راسيل (Joellen Russell ) مستعدة للأمواج التي بلغ ارتفاعها 10 أمتار، والتي ضربت سفينتها البحثية خلال رحلة استكشافية في جنوب نيوزيلندا. وتتذكر راسيل - أخصائية نمذجة المحيطات في جامعة أريزونا في توسان - الموقف قائلة: "شعرتُ بأن السفينة ستتحطم في كل مرة نرتطم فيها بجبل من المياه". وفي لحظة ما، كادت موجة عاتية أن تطيح بها من على ظهر السفينة.
بيد أن الشيء الذي أذهلها حقًّا هو كَمّ البيانات الذي اكتشفته أجهزة استشعار، أثناء تحليلها مياه البحر. وخلال اللحظات العصيبة التي مرت على السفينة، أدركت راسيل أن سطح المحيط تنخفض فيه مستويات الأكسجين، وترتفع فيه مستويات الكربون، وأنه حمضي للغاية؛ وهي دلائل مدهشة تشير إلى أن المياه الغنية بالمواد المغذية - التي توجد عادة في أعماق البحار - قد طفت على السطح. كما اتضح أن الأمواج التي ضربت سفينة راسيل كان مصدرها المياه القديمة التي لم تتعرض للغلاف الجوي منذ عدة قرون.
وعلى الرغم من الجدل الذي أثير عندما واجهت ذلك من قبل في عام 1994، فإن الموجات القوية المتقلبة هذه تُعَدّ سمة مميزة للمحيط الجنوبي، ذلك الوحش الغامض الذي يحيط بالقارة القطبية الجنوبية، مدفوعًا بأقوى رياح دائمة في العالم. ويمتص المحيط الجنوبي كميات وفيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون والحرارة من الغلاف الجوي، وهو ما أبطأ معدلات الاحتباس الحراري، كما أن تياراته القوية تدفع جزءًا كبيرًا من دورة المحيطات في العالم.
ورغم الظروف المعادية التي أبعدت علماء المحيطات لعقود، إلا أن عهدًا علميًّا جديدًا قد بدأ؛ إذ يُقْبِل الباحثون من جميع أنحاء العالم على المنطقة، مستخدمين العوّامات، والمراسي، والسفن، والغواصات الصغيرة، والأقمار الصناعية، والنماذج الحاسوبية، وحتى الفقمات المزودة بأجهزة استشعار. والهدف من ذلك هو سد الثغرات الهائلة في البيانات، وتعزيز فهْم كيفية عمل المحيط الجنوبي والمناخ العالمي. وقد يسهم ذلك إسهامًا كبيرًا في تحسين التنبؤات بمدى سرعة الاحتباس الحراري في العالم، والعمر المتبقي للغطاء الجليدي في القطب الجنوبي، والسرعة التي ترتفع بها مستويات البحار.
من جانبه، يقول أرنولد جوردون، عالِم المحيطات في مرصد لامونت دوهيرتي الأرضي في باليسادس بنيويورك، الذي قاد بعض المسوح المبكرة في المحيط الجنوبي في ستينات القرن الماضي: "كان رائعًا أن نشهد هذا الانفجار المعلوماتي، فقد أتاحت لنا التقنيات الجديدة الوصول إلى هذه المناطق النائية، وهو ما قلل اعتمادنا على الإبحار بالسفن في جليد البحار".
وبالفعل، تشير البيانات الأولية الصادرة عن مجموعة من عوامات المحيطات إلى أن المياه القادمة من أعماق المحيط قد تحدّ من كميات ثاني أكسيد الكربون التي يمتصها المحيط الجنوبي كل عام. ويثير ذلك تساؤلات جديدة حول مدى فعالية هذه المياه في كبح ظاهرة الاحتباس الحراري في العقود المقبلة.
وفي هذا الصدد، يقول مايكل ميريديث، عالِم المحيطات في هيئة مسح القطب الجنوبي البريطانية في كمبريدج بالمملكة المتحدة، الذي سيترأس سلسلة من البعثات على مدى السنوات الخمس المقبلة؛ للمساعدة في توثيق امتصاص الحرارة والكربون: "يسدي المحيط الجنوبي معروفًا كبيرًا للمناخ في الوقت الحالي، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيواصل ذلك في المستقبل، لكنه بلا شك هو المكان الأساسي لدراسة هذه الأمور".

المصدر: Nature مجلة بالعربية






العنوان الأصلي للمقال العلمي:

How much longer can Antarctica’s hostile ocean delay global warming?

Jeff Tollefson



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق