الجمعة، 4 نوفمبر 2016

كيف تتكون أمواج البحر: الجزء 2


في الجزء الاول توقفنا على التعريف العلمي لأمواج البحر، كما قدمنا تفسيرا لكيفية تكونها عن طريق قوة الإحتكاك التي يمارسها الهواء على سطح البحر. و رأينا أيضا مختلف الخصائص الفيزيائية للأمواج و خاصة الإرتفاع، الطول و مدة الموجة. و في هذا الجزء الثاني سنتعمق أكثر في الموضوع و سنتناول بتفصيل أكثر المراحل التي تمر منها الموجة البحرية منذ النشأة و التكوين في عرض البحر إلى الإنكسار بالقرب من الشاطئ.

      المراحل التي تمر منها الموجة البحرية:         

تمر الأمواج خلال حياتها من أربع مراحل أساسية. المرحلة الأولى هي التكوين و الإرتفاع، المرحلة الثانية هي مرحلة الإنتقال الحر عبر البحار و المحيطات، المرحلة الثالثة هي مرحلة التحول تحث تأثير التضاريس البحرية المتواجدة تحت سطح البحر عندما تقترب من الشاطئ، و المرحلة الأخيرة هي مرحلة الإنكسار و التحطم.  الشكل المبسط أسفله يمثل بطريقة موجزة هذه المراحل السابقة الذكر مع ضرورة التذكير بأن هذه المراحل قد تمتد لآلاف الكيلومترات و عدة أيام متتالية كما هو الحال في حالة الأمواج التي تتكون بفعل العواصف البحرية القوية.


 الشكل 1: المراحل الأربعة في حياة الموجة البحرية.


1-        مرحلة التكوين و الإرتفاع:

عندما تهب رياح النسيم (أقل من 10 كلم/س) على سطح البحر فإنها تخلق مويجات صغيرة على شكل تجاعيد تنتقل بسرعة أقل من سرعة الرياح. و بمجرد ما تخفت هذه الرياح تختفي أيضا تلك المويجات بسرعة. و لكن عندما تنشط الرياح و تبلغ سرعتها أكثر من 10 كلم/س فإن الأمواج التي تتكون تستمر لمدة أطول لأنها تستمد طاقة أكثر من هذه الرياح. و عندما تبلغ قوة الرياح أكثر من 20 كلم/س ترتفع قمم الأمواج أكثر من طولها كما أن إنحدارها بدوره يشتد(H/L حيث H ارتفاع و L طول الموجة). هذه القمم تصبح غير مستقرة و تندفع نحو الأمام مما يؤدي إلى ظهور بعض الأمواج المتكسرة علي شكل رغوة (les moutons). و كلما كانت قوة الرياح أكبر كان ازداد عدد الامواج المنكسرة. المكان الذي تتكون فيه الأمواج يصطلح عليه بالمنطقة المكونة أو المولدة (zone génératrice). في هذه المنطقة، تكون الرياح غير منتظمة القوة و الإتجاه ، و بالتالي فإنه تتسبب في تشكيل موجات ذات أحجام مختلفة و يكون هيئة البحر جد مضطربة. هذه الأمواج المختلفة تتفاعل فيما بينها بطريقة معقدة حيث تسمح بانتقال الطاقة فيما بينها (من الصغيرة إلى الكبيرة) مما يساعد على ازدياد حجمها. هذا الميكانيزم يطلق عليه التفاعلات الغير خطية (interactions non-linéaires). يذكر أنه منذ ظهور النمادج العددية البحرية من الجيل الثالث(مثل WAM،WAVEWATCH III)  خلال التسعينات من القرن الماضي و التي تحاكي الأمواج البحرية، أصبحت هذه التفاعلات تحسب بشكل مباشر و دقيق. لكن هناك سؤالا يطرح نفسه و هو إلى أي حد ستستمر هذه الأمواج في الإرتفاع؟ هنا تتدخل ثلاث عوامل رئيسية لتحديد متوسط العلو الذي يمكن أن تبلغه الأمواج. أولها قوة الرياح، ثانيا مدة هبوبها و أخيرا المسافة التي تهب فيها دون أن تغير إتجاهها(FETCH). الجدول الموجود أسفله يعطي بعض الأمثلة لتوضيح هذه النقطة مع العلم أن هذه النتائج مبنية على مخططات و منحنيات عملية. نلاحظ أنه كلما ازدادت قيمة هذه العوامل إزداد علو الأمواج و هذا أمر منطقي لأن كمية الطاقة التي تكتسبها من الرياح تزداد هي الاخرى. 



للإشارة فإن الأمواج المتشكلة خلال هذه المرحلة تسمى بأمواج الريح أو بحر الريح (mer du vent) لأنها ما تزال تحت تأثير الرياح.

     2-  مرحلة الإنتقال الحر:

عندما تكبر الأمواج و تصبح اكثر طولا، سرعتها أيضا تزداد و نتيجة لذلك تغادر الموقع الذي تكونت فيه. و تدريجيا مع ابتعاد الأمواج من منطقة التكوين تجتمع وفقا لطاقتها وطولها الموجي و يتم تشكيل مجموعات من الأمواج المتجانسة الخصائص(trains de vagues). و هذه الأمواج تنتقل على شكل مجموعات كل منها بسرعة مختلفة علما أن السرعة تزداد مع ازدياد ظول الأمواج. و السرعة التي تتحرك بها تلك المجموعات تسمى سرعة المجموعة (vitesse de groupe). ولهذا السبب توصف المياه العميقة بوسط مفرق(dispersif) لأنه يشتت الأمواج إلى مجموعات متتابعة. يمكن حساب هذه السرعة انطلاقا من معرفة مدتها الزمنية وفق الصيغة التالية (c=1.56T حيث Tالمدة و c السرعة بالمتر/الثانية). مثلا أمواج ذات مدة زمنية تقدر ب 5 ثواني تسير بسرعة 30 كلم/س،فيما امواج بمدة 10 ثواني تتحرك بسرعة 60 كلم/س. تجدر الإشارة إلى أن أغلب الأمواج التي تنتج في منطقة ذات رياح منتظمة الإتجاه تتحرك في نفس اتجاه الرياح. علما أن نسبة قليلة من الامواج الناتجة تنتقل في اتجاهات مائلة يمين و يسار الإتجاه الرئيسي للرياح السائدة كما هو مبين في الشكل أسفله.


شكل 3 : الإنتقال الحر للأمواج بعيدا عن منطقة التكون طوليا (longitudinal) و زاويا (angulaire)

3-      مرحلة التغير بفعل قاع البحر:

بينما تقترب الأمواج القادمة من عرض البحر من الساحل يرتفع قاع البحر تدريجيا. هذا يؤثر على حجمها حيث ترتفع شيأ فشيأ نتيجة للعرقلة التي تواجهها بفعل الإحتكاك مع القاع. و من المعلوم أن هذه الأمواج تبدأ بالتفاعل مع ارضية البحر عندما تصل إلى منطقة ذات عمق يصل إلى نصف طولها(L/2 مع L طول الموجة). هذه المنطقة تسمى بمنطقة ركوب الموج (zone de surf). عكس المياه العميقة (eau profonde)، داخل المنطقة ذات العمق المنخفض (eau peu profonde) جميع الأمواج القادمة تتحرك بنفس السرعة و لذلك هذه المنطقة تسمى بوسط غير مفرق (non-dispersif). لكن عندما تبلغ الأمواج ارتفاعا قصويا أي 3/4 (ثلاثة أرباع) عمق البحر تنكسر و تفقد جميع طاقتها.

شكل4 : تحول شكل الموجة عندما تلامس قاعدتها قاع البحر حيث ترتفع القمة و يزداد انحدارها 

4- مرحلة الإنكسار و التحطم:

الشكل النهائي للأمواج يرتبط أساسا بشكل قاع البحر في المنطقة الشاطئية. وهذا القاع يحول الحركة الأفقية للأمواج إلى حركة عمودية. وهكذا، فإن الشاطئ الذي ينحدر بلطف و بسلاسة يعطي موجات ناعمة ومسطحة نوعا ما. في المقابل، الشاطئ العميق و الذي يرتفع بشكل سريع يعطي موجات عالية وقوية. و هناك ثلاث أنواع من الإنكسارات للأمواج حسب إنحدار ارضية الشاطئ.

-الإنحدار الإنزلاقي: يحدث عندما يكون الشاطئ مستوي و يترجم إلى اضطرابات قوية في الجزء العلوي من الموجة مع تكون الكثير من الرغوة.

-الإنكسار المندفع: يحدث عندما يكون الشاطئ منحدر، و ربما هذا النوع هو المفضل لدى هواة ركوب الأمواج الذين يحاولون "المرور عبر الأنبوب". تدور قمة الموجة قبل ان تتحطم الموجة، وهذا ما يعطي الموجة ذلك الشكل المتقوس والممتد من جانب إلى آخر.
-الإنكسار المتضخم: يحدث عندما يكون الشاطئ جد منحدر




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق